«نيويورك تايمز»: الزراعة الصناعية تساهم في حل أزمة الغذاء لكن تكلفتها البيئية عالية

«نيويورك تايمز»: الزراعة الصناعية تساهم في حل أزمة الغذاء لكن تكلفتها البيئية عالية
نماذج من الزراعة الصناعية - أرشيف

ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الزراعة الصناعية أنتجت على مدار العقود الماضية كميات ضخمة من الغذاء، وساهمت بشكل كبير في تلبية احتياجات الملايين حول العالم، رغم ذلك، أثارت هذه الطريقة في الإنتاج العديد من المخاوف بشأن التأثيرات البيئية السلبية التي تترتب عليها.

وقالت الصحيفة الأمريكية، في تقرير لها اليوم  السبت، إنه في الوقت الذي تزداد فيه ضغوطات النمو السكاني، وتسعى البلدان إلى تحقيق أمن غذائي مستدام، أصبحت الزراعة الصناعية أحد الحلول الأساسية التي تلبي حاجة البشرية، ولكن، وفق الدراسات الحديثة، فإن الزراعة الصناعية تساهم في العديد من المشاكل البيئية التي تهدد الكوكب، مثل تلوث المياه، وفقدان التنوع البيولوجي، وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.

ارتفاع حجم الضرر

وشكّلت الزراعة الصناعية هدفًا للنقد اللاذع من قِبل البيئيين، ونشطاء حقوق الحيوان، وصانعي الأفلام الوثائقية، واعتبرها بعض القادة الروحيين، مثل البابا فرانسيس والصوفي الهندي سادغورو، مصدرًا للفساد البيئي والأخلاقي.

وهاجم سياسيون يساريون بارزون مثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز وبيرني ساندرز، حتى البودكاستر جو روجان هذه المزارع ودعوا إلى حظرها، بينما ألقى روبرت كينيدي الابن باللوم عليها في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض والسمنة.

وقدّرت الأمم المتحدة حجم الضرر البيئي الناجم عن هذه الممارسات الزراعية بنحو 3 تريليونات دولار سنويًا، نتيجة للتلوث وإزالة الغابات، ومع ذلك، فإن هذه الصورة القاتمة لا تُغفل بعض الفوائد الجوهرية لهذه الزراعة.

أزمات بيئية متزايدة

ساهمت الزراعة بأنواعها في تلويث المياه، وتفاقم أزمة نقصها، وتدمير التنوع البيولوجي، وتسببت في 25% من الغازات الدفيئة التي تسخّن الكوكب، كما استولت على نحو 40% من مساحات اليابسة، ومن المتوقع أن تتوسع بحلول عام 2050 لتدمّر ما يعادل 12 ولاية بحجم كاليفورنيا من الغابات.

وأطلق هذا التوسع كميات ضخمة من ثاني أكسيد الكربون، ما جعل الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات أخطر من الميثان المنبعث من الأبقار أو أكسيد النيتروز الناتج عن الأسمدة.

تحقيق إنتاجية هائلة

رغم الأضرار البيئية، استطاعت الزراعة الصناعية إنتاج كميات كبيرة من الطعام باستخدام مساحات محدودة من الأراضي، في وقت يُتوقع أن يزداد الطلب على الطعام بنسبة 50% بحلول عام 2050، مع ازدياد عدد سكان العالم ليصل إلى 10 مليارات شخص.

وفي ظل هذا الواقع، قد تكون هذه المزارع أملًا حقيقيًا لإطعام البشر دون القضاء على الموارد الطبيعية.

وعزّزت الأسمدة وأنظمة الري الإنتاج، بينما أسهمت المبيدات في حماية المحاصيل من الآفات، كما ساعدت التقنيات الحديثة، مثل الجرارات المزودة بأنظمة تحديد المواقع (GPS)، في تحسين كفاءة الزراعة.

واعتمدت مزارع المصانع على التطور في مجالات الوراثة والتغذية والرعاية البيطرية لإنتاج سلع غذائية رخيصة ومتوفرة بكميات كبيرة.

تحسين كفاءة استخدام الأراضي

تطلّب الواقع الزراعي المعاصر إيجاد حلول تُعزز الإنتاجية دون التوسع على حساب الغابات، إن تقليل استهلاك اللحوم، والحد من زراعة المحاصيل المستخدمة في إنتاج الوقود الحيوي، قد يخفف من الطلب على الأراضي الزراعية، لكن الدراسات تشير إلى تزايد استهلاك اللحوم، ما يفرض ضرورة زيادة الإنتاجية لكل فدان.

واستطاعت الزراعة الصناعية مواجهة هذا التحدي بكفاءة، ومع ذلك، دعا بعض البيئيين، مثل آل غور وجين غودال، إلى استبدال الأساليب الصناعية بممارسات "الزراعة المتجددة"، دعمت إدارة بايدن هذا التوجه بضخ 20 مليار دولار في برامج تُعرف بـ"الزراعة الذكية مناخيًا".

التجارب الفاشلة 

أظهرت تجربة سريلانكا مخاطر التحوّل السريع نحو الزراعة العضوية، عندما فرض رئيس البلاد حظرًا على المواد الكيميائية الزراعية، في عام 2021، انهارت المحاصيل، ما أدّى إلى أزمة غذائية أجبرت البلاد على استيراد الطعام.

ورغم الجهود الأوروبية والأمريكية لتشجيع الزراعة المتجددة، فإن هذا النهج قد ينقل مشكلة التلوث وإزالة الغابات إلى الدول النامية.

خيار مُر لكنه ضروري

أثبت التاريخ أن التغييرات البيئية الكبرى بدأت مع اكتشاف الزراعة قبل 12 ألف سنة، وليس فقط مع الثورة الصناعية، واستخدم المزارعون الأوائل أدوات بدائية، مثل النار والفأس، لتحويل البراري إلى حقول ومراعٍ ساعدت على زيادة أعداد البشر.

وتظل الزراعة الصناعية، رغم عيوبها، الحل الأكثر واقعية لمواجهة تحديات الأمن الغذائي العالمي، فهي تُتيح إنتاج كميات كافية من الطعام لسكان العالم المتزايدين، مع تقليل الحاجة إلى التوسع على حساب الغابات والموارد الطبيعية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية